الجمعة، 13 أبريل 2012

مهاتير محمد ... عقل صنع نهضة

ولد الدكتور مهاتير محمد عام 1925م بولاية تسمى “كيداه” في ماليزيا لأب ذو أصول هندية وأم مالاوية، وكان ترتيبه الأصغر بين تسعة أشقاء وكان ضعف حال أبيه الذي كان يعمل كمدرس بالمرحلة الابتدائية سببًا في عمله كبائع للموز في الشارع حتى يستطيع أن يشتري دراجة يذهب بها للمدرسة الثانوية.


كانت ماليزيا في فترة نمو "مهاتير" هي بلد فقير عشوائي يعيش أغلب سكانه في الغابات ويعملون بالزراعة ويعيش ما يزيد عن نصف سكانه تحت خط الفقر كما كانت تتحكم فيه الصراعات الطائفية حيث كان يجمع بين حوالي 18 ديانة في مكان واحد جعلها الفقر والجهل محل صراع بين الناس.

درس مهاتير محمد الطب في كلية "المالاي" في سنغافورة، والتي كانت تعرف بكلية الملك "إدوارد السابع" الطبية، وقام بدراسة الشئون الدولية بجامعة "هارفارد" بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1967م.

بعد تخرجه عمل لفترة كطبيب في الخدمة الحكومية وذلك أثناء احتلال بلاده من الحكومة الإنجليزية، وبعد تحرر ماليزيا في 1957 قام بفتح عيادة خاصة به كطبيب جراح وكان يخصص نصف وقته للكشف على الفقراء ممن لا يتحملون تكلفة العلاج مجانًا.

بدأ عمله في السياسة في عام 1964م عندما فاز بمقعد في مجلس الشعب وظل به لمدة 5 سنوات ثم خسره، وبعد ذلك في 1970 شرع في كتابة كتابه "معضلة الملايو" والذي طرح فيه رؤيته لمستقبل بلاده ورفضه لأن تظل بلادًا زراعية متخلفة تعيش في الظلام.

ثم فاز بلقب "سيناتور" مرة أخرى في عام 1974م، وبعدها اختير وزيراً للتعليم في 1975م، ثم مساعداً لرئيس الوزراء في 1978م، وفي النهاية أصبح رئيساً للوزراء عام 1981م، وكانت هذه هي بداية النهضة التي أقامها لبلاده والتي قال إنه قد استوحاها من النهضة التي صنعها محمد على في مصر في أوائل القرن التاسع عشر.

بعد توليه لمنصب رئيس الوزراء والذي شغله لما يقرب من عشرين عامًا عمل "مهاتير" على خطة تقتضي بوصول بلاده للقمة بحلول عام 2020م ، وقام بخطوات واضحة شرحها الدكتور/ محمود عمارة في مقاله "حكاية فأر تحوّل إلى نمر" ونقتبس منها ما يلي :
أولاً: رسم خريطة لمستقبل "ماليزيا" حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج، التي يجب الوصول إليها خلال ١٠ سنوات.. وبعد ٢٠ سنة.. حتى عام ٢٠٢٠!!

ثانياً: قرر أن يكون التعليم والبحث العلمي هما الأولوية الأولى على رأس الأجندة، وبالتالي خصص أكبر قسم في ميزانية الدولة ليضخ في التدريب والتأهيل للحرفيين.. والتربية والتعليم.. ومحو الأمية.. وتعليم الإنجليزية.. وفى البحوث العلمية.. كما أرسل عشرات الآلاف كبعثات للدراسة في أفضل الجامعات الأجنبية.

ثالثاً: أعلن للشعب بكل شفافية خطته وإستراتيجيته، وأطلعهم على النظام المحاسبي، الذي يحكمه مبدأ الثواب والعقاب للوصول إلى "النهضة الشاملة"، فصدقه الناس ومشوا خلفه ليبدؤوا "بقطاع الزراعة".. فغرسوا مليون شتلة "نخيل زيت" في أول عامين لتصبح ماليزيا أولى دول العالم في إنتاج وتصدير "زيت النخيل"!

وفى "السياحة": قرر أن يكون المستهدف في عشر سنوات هو ٢٠ مليار دولار بدلاً من ٩٠٠ مليون دولار عام 1981،
لتصل الآن إلى ٣٣ مليار دولار سنوياً.. وليحدث ذلك: حول المعسكرات اليابانية التي كانت موجودة من أيام الحرب العالمية الثانية إلى مناطق سياحية تشمل جميع أنواع الأنشطة الترفيهية، والمدن الرياضية، والمراكز الثقافية والفنية.. لتصبح ماليزيا "مركزاً عالمياً" للسباقات الدولية في السيارات، والخيول، والألعاب المائية، والعلاج الطبيعي، والعديد من الأنشطة المختلفة.

وفى "قطاع الصناعة": حققوا في عام 1996 طفرة تجاوزت ٤٦٪ عن العام السابق بفضل المنظومة الشاملة والقفزة الهائلة في الأجهزة الكهربائية، والحاسبات الإلكترونية.
وفى النشاط المالي: فتح الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية لبناء أعلى برجين توأم في العالم المحتوي على٦٥ مركزاً تجارياً في العاصمة "كوالالمبور" وحدها.. وأنشأ البورصة التي وصل حجم تعاملها اليومي إلى ألفي مليون دولار يومياً.

وأنشأ " مهاتير" أكبر جامعة إسلامية على وجه الأرض، أصبحت ضمن أهم خمسمائة جامعة على مستوى العالم يقف أمامها شباب الخليج بالطوابير، كما أنشأ عاصمة إدارية جديدة "بورتوجايا"( putrajaya) بجانب العاصمة التجارية "كوالالمبور" التي يقطنها الآن أقل من ٢ مليون نسمة، ولكنهم خططوا أن تستوعب ٧ ملايين عام ٢٠٢٠، ولهذا بنوا مطارين وعشرات الطرق السريعة تسهيلاً للسائحين، والمقيمين، والمستثمرين، الذين أتوا من الصين، والهند والخليج ومن كل بقاع الأرض، يبنون آلاف الفنادق بدءًا من الخمس نجوم حتى الموتيلات بعشرين دولار في الليلة!

وفي عام 2003 م تنحى مهاتير محمد عن الحكم ليترك متسعًا للكفاءات الأخرى من وطنه ليكملوا المسيرة نحو نهضة أكبر، مؤكدًا بتركه للسلطة في قمة مجده إنه لم يتول منصبه طمعًا في شيء إلا في تحقيق مستقبل أفضل لبلاده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق