الجمعة، 13 أبريل 2012

عبد الرؤوف حلمي .. مبدع الاختراعات العبقرية من المشاهدات اليومية

مخترع شاب يبعث الأمل في نفوس كل من يعرف قصة اختراعاته، ويطمئننا للتقدم العلمي الذي يمكن أن تحرزه أجيالنا الناشئة لو اهتممنا بهم وأوليناهم رعايتنا. المميز في عبد الرؤوف حلمي السيد ليست سنوات عمره السبعة عشر ولا اختراعاته التي تبلغ 3 أضعاف عمره، بل موهبته الفذة في استلهام الأفكار العبقرية من مشاهدات الحياة اليومية وتحويلها إلى مشروعات اختراعات تقدم لبشرية حلولاً لكثير من مشكلاتها المستعصية.


الوقاية من حرب المياه بالندى:
آخر مخترعاته، وهو ما يطمح به لتفادي حروب المياه المحتملة، أتت فكرته إليه وهو واقف في شرفته بعد الفجر وقد بلل الندى يديه، فسأل نفسه: أيكون الماء في يدي وهناك من سيتقاتلون عليه؟! فعمل على ابتكار وسيلة للاستفادة من الندى المكثف بواسطة أسطح معدنية غير قابلة للصدأ تنشر فوق الأسطح وفي الصحراء، وذلك لتجميع مياه الأمطار والندى المكثف في بحيرات ومجاري مائية يتم الاستفادة منها في الأغراض المختلفة. والمميز في هذه الفكرة، التي نالت إعجاب بعض الخبراء الفرنسيين، أنها تستفيد من المشكلة السكانية التي يترتب عليها كثر استهلاك المياه في غسيل الملابس، والتي تتبخر من المناشر إلى أجواء المدن المزدحمة.
لا يتوقف تفكير عبد الرؤوف عند هذا الحد، بل يستلهم أفكار مخترعاته من الآلام الإنسانية. ففي يوم حار وجد معاقاً يدفع كرسيه المدولب بصعوبة بالغة وصلت به لدرجة أنه دعا على نفسه بالموت ليتخلص من آلامه، فتفاعل عقل مخترع الإسكندرية الصغير مع انفعاله العاطفي فابتكر نموذجاً لكرسي مدولب يعمل بالدافع الذاتي ببطارية صغيرة يقوم بالعديد من الوظائف، فضلاً عن إنارته ليلاً ومظلته الحامية من الشمس نهاراً، فهو يساعد المريض على أداء تمارين العلاج الطبيعي، ويصعد السلالم، ويتخطى الحواجز بفضل عجلاته المطاطية التي استبدلت الحديدية بها، بالإضافة إلى التحكم بالكرسي عن بعد بواسطة "ريموت كنترول"، وغيرها من الوظائف ووسائل الأمان.
تجدر الإشارة إلى أن سعر الكرسي المتحرك الوحيد الذي يمكن راكبه من صعود السلالم هو حوالي 27 ألف دولار، وقد صممه مخترع أمريكي، لكن الكرسي الذي قدمه عبد الرؤوف يظهر أنه قادر على تقديم منافس أفضل وأرخص من المنتجات الحالية.
ولم تختلف نشأة الروبوت كثير الوظائف عن نشأة هذه الأفكار، فقد دفعه إحساسه بمعاناة والدته في الأعمال المنزلية إلى اختراع روبوت يقوم بأكثر من 50 وظيفة، تتنوع بين الأعمال الحاسوبية والمنزلية، كالكنس وغسل أطباق وتلميع الأحذية وغيرها، وكذلك الأنشطة الترفيهية والرياضية التي يشارك بها الإنسان هواياته. فبعد لحظات من التأمل في المروحة والغسالة والخلاط الكهربي، شرع في صنع إنسانه الآلي باستخدام 3 محركات ليقوم بالوظائف المتعددة في آن واحد.

من لعبة المسدس إلى روبوت كاسح للألغام:
بدأ عبد الرؤوف مخترعاته في الصف الثاني الابتدائي، مستخدماً ألعابه التي صارت محركاتها وآلات التحكم عن بعد فيها (الريموت كنترول) مورداً رئيسياً لمكونات نماذج كل مخترعاته اللاحقة. وقد شجعه أبواه على إعادة تركيب ألعابه التي كان يفككها ليرى ما بداخلها، فعلماه كيف تعمل الأشياء مما كان له الفضل في استثمار موهبته الفطرية في تخيل أجهزة جديدة بآليات مبتكرة، كما قام منذ وقت مبكر بأعمال الصيانة لكافة أجهزة منزله.
وكثير ما تكون مخلفات الاستخدام نواة اختراع جديد، ففي سن العاشرة حوّل لعبة مسدس إلى مجفف للشعر!
لم تقتصر اختراعات عبد الرؤوف، التي وصل المسجل منها إلى 43 اختراعاً، على الأدوات الطبية والمنزلية وتكنولوجيا الطاقة، بل امتدت أيضاً إلى التطبيقات العسكرية. فقد دفعته زيارتان قام بهما إلى كل من "تبة الشجرة" في سيناء والعلمين وهو في الصف السادس الابتدائي إلى البحث والاطلاع في قضية الألغام التي تعوق تنمية الأراضي المصرية الشاسعة دون قدرة على استخراجها بسبب فقدان الخرائط. وكانت النتيجة أنه اخترع روبوتاً يتم التحكم فيه عن بعد، يقوم بكشف الألغام ويستخرجها دون أن تنفجر. وتعتمد فكرة كاسحة الألغام – التي صنع نموذجاً لها من ألعابه - على 6 مغناطيسات منها مغناطيسات دوارة بمحركين، وذلك لاستخراج كل من نوعي الألغام بهاتين المنطقتين؛ ألغام السوستة وألغام الغاز، والاستفادة من موادها التصنيعية دون الحاجة لخرائط.
وبالإضافة إلى هذه العينة من مخترعاته، اشتهر عبد الرؤوف بعدد من الاختراعات الأخرى كـجهاز تحلية مياه البحر، وآخر لامتصاص الاحتباس الحراري، وثالث للكشف المبكر عن الزلازل والتوابع، ورابع للكشف عن تسرب المياه تحت الأرض، ونموذج للمدينة المستقبلية التي تستخدم الطاقة النظيفة بلا بنزبن ولا إشارات مرور، وغيرها..
ومن أكثر ما يميز اختراعات عبد الرؤوف هو استخدم المواد البسيطة والرخيصة، حيث تقدم في أحد معارض العلوم والاختراعات بمدرسته بسبعة اختراعات تبلغ تكلفة الواحد منها حوالي 5 جنيهات، في مقابل اختراعات أخرى لزملائه وصلت لـ 18 ألف جنيه. ومؤخراً، يعكف على اختراع "مولد كهرباء ثلاثي" يأمل أن يمكّنه من إنتاج طاقة كهربائية تفوق ما ينتج عن المفاعل النووي .

بين الاهتمام الخارجي والإهمال الداخلي:
وكما اعتدنا من الجهات المعنية برعاية الموهوبين علمياً في بلادنا، لم يجد عبد الرؤوف حلمي محتضناً لأفكاره ومشروعاته من بني بلده بالقدر الذي لقي به من عروضاً أجنبية سخية. فلم يكن اشتراط أكاديمية البحث العلمي لمبلغ 500 جنيه لتسجيل الاختراع الواحد، من بين اختراعاته الـ 43، هو العائق الأول ولا الوحيد، بل تعرض أيضاً للسخرية والاستهزاء من العاملين بها، الذين وضعوا له فيما بعد شروطاً تعجيزية غير موضوعية.
ورغم الصعوبة التي يجدها في توفير المواد الخام لتنفيذ النماذج الخاصة بأفكاره بشكل واقعي، إلا أن أكثر ما أحزنه هو وأسرته أنه لم يتلق أي عروض بمنح دراسية من الجامعات والهيئات البحثية المصرية. في الوقت ذاته، تعددت العروض العربية والأجنبية له ما، كالمنحة الدراسية التي عرضت عليه حتى التخرج في الجامعة بالولايات المتحدة الأمريكية حينما رأى القنصل الأمريكي جهاز امتصاص الاحتباس الحراري وبرفقته الدكتورة كاترين كوبيكان مدير الأمم المتحدة بأمريكا وقتها.
وحسب والدته: "لم يكن هذا هو العرض الوحيد، حيث طلب منه خبير فرنسي قبلها أن يكتب أسماء كل اختراعاته ليسجلها على القمر الصناعي الفرنسي (كيو) الذي انطلق في عام 2007، وقد عرض عليه أيضاً أن يوفر له منحة للدراسة بأستراليا". بالإضافة إلى عرض آخر لدراسة الأجهزة الطبية بألمانيا، ومنح أخرى من دول عربية، ومنها الأردن التي عرضت عليه تسجيل اختراعاته لديها، ولكنه أصر على تسجيلها أولاً في وطنه وأن يهتم بها المسؤولون في مصر.
ورغم شكواه من مكتبة الإسكندرية واتهامه للعاملين بها بسرقة مخصصات الإنفاق على مخترعاته، إلا أنه أثنى على بعض رجال الأعمال من أبناء مدينته الذين يساعدونه في تنميته العلمية واللغوية. ومع الصعاب التي يواجهها في مصر، إلا أن شيئاً من الانفراج قد حل عليه من الأردن الشقيق حيث دعته الحكومة الأردنية لزيارة مصانع المكسرات، فقام بتطوير جهاز "الثماني طاقات" الذي يقتصد في مساحة المصنع ويشغل 8 أجهزة بأنواع مختلفة من الطاقة في الوقت نفسه، كما استغنى عن بعض التروس في ماكينات المكسرات وزاد من سرعتها وكفاءتها. وكذلك اقترح عليهم آلية لتطوير استخراج الملح من البحر الميت، وقد كافأه الملك عبد الله بجولة في متحف سياراته الشخصية ورحلة ترفيهية نظير تطوعه بأفكاره وعدم تلقي مقابل مادي عليها.

وفي الحلقة الشهيرة يوم 21 يوليو 2010، التي قدمها الإعلامي أحمد منصور في برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة، تحت عنوان "ظاهرة الأطفال العباقرة في عالمنا العربي"، تكرر على لسانه أن اختراعاته "في خدمة البشرية"، وذكر أنه رفض عروضاً كثيرة بالتعاون مع رجال أعمال حاولوا تطبيق أفكاره على نطاق واسع. وبرر ذلك أنه لا يريد لأفكاره أن يتم استغلالها تجارياً، وأنه متمسك بحقه الأدبي والفكري فيها، وأنه لن يبيع براءات اختراعاته لأحد. كما أعلن أنه يعطي الأولوية الأولى للجهات المصرية لتطبيق اختراعاته لينسب الفضل لبلده.

كما كان لافتاً أنه لا يحتفظ بمخترعاته بمنزله ولجوئه إلى التخلص منها أولاً بأول في المعارض العلمية في التابعة لوزارة التربية والتعليم، وحجته في ذلك أنه كلما كان الاختراع أمامه كان ذلك داعياً لتطويره واستمرار تحسينه بما يعطله عن إنجاز مخترعات جديدة.

عبد الرؤوف حلمي من مواليد ديسمبر عام 1993، وهو طالب بمدرسة العباسية الثانوية العسكرية للبنين بالإسكندرية، وقد حصل على المركز الأول 21 مرة في مصر في مجال الاختراعات، حاصداً العديد من الميداليات والشهادات والجوائز. ويعد من أبرز المخترعين في العالم نظراً لحداثة عمره وغزارة إنتاجه. كما يرأس الجمعية العلمية لطلبة المدارس، ويجول بين المدارس محاضراً لأقرانه، الذين يؤمن بأن مصر تزخر بالكثير من النابغين من بينهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق